تناولت مجلة “نيويوركر” الأميركية في تقرير موسع بعنوان “ثورة مصر الفاشلة” كواليس وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحكم، وخلفيته الاجتماعية والمهنية وصفاته الشخصية ونظرته لتطوير اقتصاد بلاده، والظروف التي أحاطت بالإطاحة بحكم الإخوان المسلمين، وقالت إن السيسي لا يثق بأي جهة سوى الجيش المصري، وإنه كشف -دون قصد- الهيكيلية السياسية للدولة.
ونقل معد التقرير بيتر هيسلر عن دبلوماسي أوروبي ومسؤولة أميركية أن السيسي يتحدث بهدوء ويصغي لمتحدثيه، على عكس معظم جنرالات الجيش الذين يتحدثون بأصوات عالية، معتبرين أن برودة الأعصاب والهدوء اللذين يتميز بهما السيسي وسيلة مؤثرة تجذب الناس إليه.
 
ويشير هيسلر إلى أن الثورات دوما تبدأ بطليقي اللسان وذوي الشخصيات الواثقة والحازمة ثم يسيطر عليها الهادئون والحذرون، لكن الرابحين في معظم الحالات هم من كانوا ينتظرون جني نتائجها.

وقال إن السيسي -الذي كان يشغل منصب مدير المخابرات الحربية- لم يكن معروفا عندما أطاح المحتجون في ميدان التحرير بالرئيس حسني مبارك في فبراير/شباط 2011. وقبل خمس سنوات من ذلك، درس بكلية عسكرية أميركية في بنسلفانيا دون أن يثير انتباه المسؤولين العسكريين الأميركيين.

 

ونقل معد التقرير عن وزير الدفاع الأميركي السابق ليون بانيتا أن “السيسي لم يحظ بأي اهتمام خاص في ملخص تقارير الاستخبارات عنه”، بينما قال تشاك هيغل الذي خلف بانيتا في المنصب عام 2013 “إن قادتنا العسكريين لا يعرفونه بشكل جيد”.

وتطرق هيسلر إلى العلاقة السيئة التي كانت تربط جماعة الإخوان المسلمين بالجيش، لكن بعد تسلمها الحكم عبر سلسلة من الانتخابات عقب ثورة يناير، برزت إشارات إلى أن ترتيبا ما يعد بين الجانبين لإدارة الحكم في البلاد، وكان السيسي هو الطرف المفاوض عن الجيش مع جماعة الإخوان، بحسب مسؤول بارز في الإدارة الأميركية. ووصف دبلوماسي أوروبي هذا الاتفاق بأنه “تعايش أو مساكنة”، بمعنى “أن الجيش يسمح لجماعة الإخوان بإدارة الحكومة طالما لا تتدخل كثيرا في شؤونه”.

وأشار التقرير إلى أن جماعة الإخوان وثقت نوعا ما بالسيسي أولا لأنها كانت تراه مسلما ملتزما، وثانيا لأنها تعتقد بأن القادة العسكريين يوفون بتعهداتهم، وعندما فاز القيادي البارز في الجماعة محمد مرسي في انتخابات الرئاسة في يونيو/حزيران 2012، لم يتدخل الجيش. وبعد فترة ليست بالطويلة أقال مرسي وزير الدفاع وعددا آخر من كبار قادة الجيش، في خطوة قوبلت بتأييد من شباب الثورة المصرية باعتبارها مؤشرا على سعيه لتقليص نفوذ الجيش، كما أيد العديد من المواطنين اختيار السيسي وزيرا للدفاع.
وتحدث هيغل عن أول لقاء له بالسيسي في مارس/آذار 2013 بالقول “إنه أحدث تفاهما جيدا بيننا”، وأشار إلى أنه أصبح الشخص الوحيد في الحكومة الأميركية الذي يثق به السيسي، وقال إنهما أجريا نحو 50 محادثة هاتفية طوال الأزمة في مصر في ذلك الوقت، وبعضها استغرق ساعة أو أكثر.

رابعة والنهضة
ونقل الكاتب عن هيغل أنه حذر السيسي مرارا من استخدام العنف ضد المعتصمين في ميداني
رابعة” و”النهضة”، لكن السيسي أكد أن مهام الشرطة تختلف عن مهام الجيش، وأنهم يعملون مع الشرطة ويحاولون ثنيها عن استخدام القوة المفرطة. ورد عليه هيغل “إن عليك أن تجد طريقة لمعالجة الوضع”، وعندها قال السيسي إنه “لا يسيطر على الشرطة”.

ثم تطرق التقرير إلى أن السيسي كشف -دون قصد- المزيد من المعلومات عن نفسه وعن الهيكلية السياسية لمصر على نحو أكثر مما يمكن أن يتخيله أحد، مشيرا في هذا الصدد إلى ما تسمى “تسريبات السيسي”.

وقال هيسلر إن السؤال الكبير عن السيسي الذي يطرحه العديد من المسؤولين والدبلوماسيين الغربيين هو: هل كان قادرا على التحول من قائد عام للقوات المسلحة إلى سياسي؟ ونقل عن بعضهم القول إن السياسيين يحتاجون إلى الاستماع للشعب.

ورأت المجلة أن الخيارات تبدو ضئيلة أمام الشباب المصري للانخراط في السياسة وعدم اللجوء إلى الشارع بدون تشكيل أحزاب ومؤسسات سياسية حقيقية ووجود سياسيين محترفين حقيقيين، لافتة إلى أن استطلاعات الرأي تشير إلى وجود شك كبير لدى الشباب حيال السيسي.

وتطرقت المجلة إلى زيارة السيسي للصين عام 2014، وما تناولته الصحف المصرية بهذا الشأن عن ضرورة الاقتداء بالتجربة الصينية لتطوير اقتصاد البلد، وتوظيف مبدأ “السلطوية” لصنع سياسة اقتصادية حازمة، لكن القليل من المراقبين في الخارج أخذوا هذا الموضوع على محمل الجد، بمن فيهم الصينيون.

وفي هذا السياق قال الكاتب إن دبلوماسيا صينيا في القاهرة أبلغه بأن “مصر تسير في الاتجاه المعاكس للصين”. ويذهب أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية في القاهرة أشرف الشريف إلى القول إن “السلطوية في مصر تعني غياب التنمية”.

المصدر : الصحافة الأميركية