منذ بداية أبريل/نيسان الماضي، تشهد فنزويلا أزمة متصاعدة بين السلطة والمعارضة، تجلت أبرز مظاهرها في احتجاجات واشتباكات مع الشرطة راح ضحيتها ما يقرب من أربعين قتيلا، فضلا عن إصابة واعتقال المئات وتوتر العلاقات مع بعض القوى الإقليمية البارزة.
وفيما يأتي نعرض لأبرز تفاصيل الأزمة عبر سؤال وجواب:
كيف بدأت الأزمة الحالية؟
بدأ الفصل الجديد من الأزمة بين السلطة والمعارضة في بداية العام الجاري، وتمثلت أولى نذره باختيار البرلمان (الذي تسيطر عليه المعارضة) المعارض البارز خوليو بورخيس رئيسا له، علما بأن بورخيس هو مؤسس حزب بريميرو جوستيسيا المعارض.
وسرعان ما أقدم البرلمان على إعلان أن مادورو تخلى عن منصبه، في خطوة رمزية استهدفت الضغط على الرئيس. بينما قال ديوسدادو كابيلو نائب رئيس الحزب الاشتراكي الحاكم إن “الرئيس لم يتنحَ ولن يتنحى، ولن نعترف ببرلمان عاق”.
في المقابل، أعلن مادورو عن تعيين طارق العيسمي، نائبا له ووصف فريقه الجديد بأنه “فرقة كوماندوز وطنية ضد الانقلاب”.
ثم اشتعلت الأمور في نهاية مارس/آذار الماضي، عندما قررت المحكمة العليا (المتهمة من المعارضة بأنها قريبة من السلطة) أن تضطلع بنفسها بإصدار القوانين بدلا من البرلمان.
ولكن ما جذور الأزمة؟
في الحقيقة إن الأزمة التي تصاعدت بشكل واضح في الشهور الأولى من العام الحالي، ليست وليدة اللحظة، بل تمتد جذورها إلى السنوات القليلة الماضية.
فقد كان نيكولاس مادورو نائبا للرئيس الفنزويلي اليساري هوغو شافيز الذي أوصى بتوليه السلطة بعدما تفاقمت معاناته من مرض السرطان. وبعد وفاة شافيز حسم مادورو الانتخابات الرئاسية التي أجريت في أبريل/نيسان 2013 لكن بفارق ضئيل جدا عن مرشح المعارضة، مما أظهر مبكرا أن مهمته لن تكون سهلة خصوصا أنه لا يمتلك نفس شخصية شافيز فضلا عن تغير كثير من الظروف الداخلية والإقليمية والدولية.
ماذا وراء الأكمة؟
ورث مادورو من شافيز -الذي هاجم الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة بضراوة على مدى سنوات- كثيرا من عداوات الرئيس الاشتراكي السابق مع الغرب الرأسمالي وسياساته.
الاقتصاد أيضا له دور مهم في الأزمة الحالية، فنظرا لأن فنزويلا تعتمد في أكثر من 90% من إيراداتها على تصدير النفط، كان طبيعيا أن تتأثر بالانخفاض الحاد في أسعاره الذي تزامن تقريبا مع وصول مادورو للسلطة، وأدى تدريجيا لارتفاع التضخم بشكل قياسي.
وانعكس الوضع الاقتصادي على السياسي، فنجحت المعارضة في تحقيق أغلبية كبيرة في الانتخابات التي جرت عام 2015، ليبدأ صراع مفتوح بين البرلمان المعارض والسلطة.
ماذا عن أوراق الضغط لدى الطرفين؟
نظرا لهيمنة المعارضة على البرلمان واستغلالها لهذا الوضع في صراعها ضد السلطة، فقد عمد مادورو إلى تعظيم دور المحكمة العليا التي قررت في 30 مارس/آذار أن تتولى بنفسها سلطات البرلمان، علما بأن المحكمة كانت قد اعتبرت أن كل قرارات البرلمان منذ بداية 2016 باطلة، بسبب تثبيت ثلاثة نواب معارضين في مناصبهم رغم شكوك تحوم حول انتخابهم.
وأثار قرار المحكمة انتقادات داخلية وإقليمية ودولية واسعة، مما دفعها للتراجع عنه بعد يومين فقط من صدوره.
في المقابل، حاول البرلمان منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي بدء إجراءات لإقالة الرئيس مادورو بتهمة انتهاك الديمقراطية وخرق النظام الدستوري للبلاد، لكن المحكمة العليا تصدت لهذه الإجراءات التي اعتبرها الرئيس انقلابا برلمانيا يستهدف إلحاق الضرر بفنزويلا.
وما موقف المحيط الإقليمي؟
بعد أيام من اندلاع الأزمة وجهت عدة دول إقليمية انتقادات لمواقف السلطة من المعارضة، ومنها منع القيادي المعارض المرشح السابق لانتخابات الرئاسة إنريكي كابريليس من تولي أي منصب حكومي لمدة 15 عاما، وصدرت الانتقادات خصوصا من الأرجنتين والبرازيل وكولومبيا والمكسيك.
لكن فنزويلا ردت من جانبها برفض هذه الانتقادات، بل اتهمت هذه الدول بالتدخل في الشؤون الداخلية الفنزويلية “تلبية لمصالح الولايات المتحدة”.
وضمن ردها سخرت ووزيرة خارجية فنزويلا من البرازيل، وتساءلت “كيف يمكن لبلد قادت حكومته انقلابا ضد رئيسة انتخبها أكثر من 54 مليون برازيلي أن تدعي إعطاء دروس في الديمقراطية؟”، كما طالبت كولومبيا بأن تنظر إلى واقعها وكيف تم قتل قادة حركات الفلاحين.
ولاحقا، أعلنت فنزويلا في 26 أبريل/نيسان الماضي اعتزامها الانسحاب من منظمة الدول الأميركية، وقالت وزيرة خارجيتها ديلسي رودريغيز إن بلادها ستطلق آلية خروج من المنظمة التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، تستغرق عامين.
ماذا عن الولايات المتحدة تحديدا؟
يمتلك البلدان تاريخا من العداء، خصوصا بين الرئيس الفنزويلي السابق هوغو تشافيز والإدارات الأميركية التي تعاقبت خلال فترة حكمه، ووصل الأمر إلى اتهام تشافيز لواشنطن بتدبير انقلاب ضده عام 2002، كما أن الولايات المتحدة تبقى المتهم الأول لدى كثير من الفنزويليين في كل أزمة تمر بلادهم بها.
وبعد عقوبات أقرها الرئيس السابق باراك أوباما ضد فنزويلا، لم يكشف الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب عن موقف محدد بعد، لكن التوتر تجدد بين البلدين بعدما قررت إدارة ترمب فرض عقوبات على طارق العيسمي نائب الرئيس الفنزويلي بتهمة التورط في تجارة المخدرات، وهو ما رفضه مادورو ودعا واشنطن للتراجع والاعتذار عنه رسميا.
ورغم أن موقف واشنطن من الأزمة الحالية اقتصر على بعض الانتقادات للسلطة في فنزويلا، فإن أنصار هذه السلطة يعتقدون دائما أن الولايات المتحدة تقف بالضرورة وراء أي شرور تستهدفهم.
كيف تصاعدت الاحتجاجات الأخيرة؟
بعد قرار السلطة منع قيادي معارض من تولي أي منصب لمدة 15 عاما، ردت المعارضة بالنزول إلى الشارع في مظاهرات شبه يومية مستمرة منذ بداية أبريل/نيسان الماضي، وتطورت في مرات عديدة إلى اشتباكات مع الشرطة مما أدى إلى مقتل ما يقرب من أربعين شخصا فضلا عن إصابة واعتقال المئات.
بدوره أعلن الرئيس مادورو عن خطة لتأسيس جمعية شعبية جديدة تمتلك صلاحيات لإعادة صياغة الدستور، لكن منتقديه قالوا إنه محاولة مستترة للتشبث بالسلطة.
في الأيام الأخيرة تسببت المظاهرات في تعطيل حركة المرور، ويحاول المحتجون يوميا الوصول إلى وسط العاصمة كاراكاس لكن الشرطة تتصدى لهم، مما يفتح الباب لاشتباكات وإصابات شبه يومية.
ما توقعات المستقبل؟
تبدو المعارضة ماضية في تصعيدها، إن لم يكن لإزاحة الرئيس عاجلا فلإضعافه والقضاء على مستقبله السياسي قبل انتخابات رئاسية يفترض أن تجرى العام المقبل. ويظهر ذلك من تزايد عدد المتظاهرين وكذلك اتجاههم لإغلاق بعض الشوارع خصوصا في العاصمة. ويعتقد مراقبون أن المعارضة ربما تراهن على انكسار قوات الأمن أو عصيانها لأوامر قادتها.
كما يبدو المحيط الإقليمي في طريقه أيضا للتصعيد ضد السلطة في فنزويلا، حيث أصدرت ثماني دول -هي: الأرجنتين والبرازيل وكولومبيا وكوستاريكا وغواتيمالا وهندوراس والمكسيك وبراغواي- بيانا دانت فيه تصاعد العنف في فنزويلا، وحثت حكومتها على احترام حقوق مواطنيها.