من المعيب جدا أن تنهزم الجزائر أمام فضاء الفايس بوك

هذه الجزائر، الدولة العربية الأكبر و الأقوى، و التي سجل لها التاريخ صمودها الأسطوري في مواجهة تكالب الدول الغربية عليها، على امتداد خمسة قرون متواصلة، و وثّق انتصاراتها المتتابعة على كل هجمة شرسة تعرضت لها؛ و لعله من المفيد هنا للاستدلال على حجم الضغينة التي يضمرها العقل السياسي و العسكري الغربي للجزائر دولة و شعبا، التذكير بعدد حملاته العسكرية لاحتلالها و ترويضها، الذي تجاوز عشرين حملة خلال قرنين فقط (16-17)، اي بمعدل حملة عسكرية ضخمة كل عشر سنوات، ساهمت فيها أهم الدول التي تمزق عالمنا العربي اليوم، من فرنسا و بريطانيا و حتى الولايات المتحدة حاولت بكل ما أوتيت حينها من قوة؛ تلكم الدول و غيرها كانت تحمل بعضها بعضا، و يتناوبون في الهجوم على الجزائر، ما يعطي فرصة لكل واحدة منها لإعادة بناء جيشها بعد الهزيمة، و جمع قوتها و أخذ نفسها، في حين أن الجزائر وحيدة لم يهدأ شعبها و لم يلتقط نفسا مقدار جيل واحد زمنيا، لا يكسر هجوما حتى يدخل مباشرة في رد هجوم آخر؛ إن الذي يسوّق الادعاء بأن الجزائر غير مستهدفة، يكون أحد الرجلين، أولهما أنه جاهل بتاريخ الصراع الجزائري الغربي جهلا مطبقا، لا يؤهله البتة للتنطح لهذا الموضوع، و ثانيهما و هذا أمر وارد جدا، هو بيدق من بيادق العدو نفسه، و لا أرى حالة ثالثة.

خروج وزير السكن الجزائري بعد تصريح الوزير الأول بخصوص فضاء الفايس بوك، و الذي أقر فيه بوجود خمسة مواقع في العالم الافتراضي، موزعة عناوينها بين المغرب و فرنسا و ألمانيا و كيان العدو الإسرائيلي، مهمتها و دورها ضرب استقرار الجزائر،  و  إن كان خروجا متأخرا جدا، ذلك أننا أشرنا لخطره منذ سنوات عبر صحيفة “رأي اليوم”، فإنه لا يُحسب في تقديري من باب المناكفات السياسية التي تعوّد على تسويقها العرب، تنصلا من المسؤولية، و اختلاقا لصراعات وهمية كملهاة للمواطنين. و إن كنت أختلف مع السلطة في سياسات كثيرة و منها تحديدا مواجهة هذه الآلة الحربية المعاصرة، و التي كان لها دور مهم في توطئة بل و خلق الفتن داخل الشعوب العربية، فذلك لا يعني أبدا تكذيب المعلومات التي أدلى بها الوزير، ببساطة لأنني على علم بها سابقا، و استوثقت من صحتها قبل ذلك بكثير، و أشرت في مقالات عديدة تلميحا و تصريحا، و على امتداد ثلاث سنوات خلت على الأقل، لجدية الخطر الذي يشكل هذا الفضاء و شبكات تواصله على استقرار الجزائر و  سلمها و أمنها الاجتماعي. و أسجل بكل صراحة و صدق أني لم ألمس من حينها إلى غاية اليوم، أي عمل جدي من السلطة الجزائرية يهتم فعليا بهذا الأمر الخطير، بل كان كبار المسؤولين و على رأسهم الوزير الأول نفسه و رئيس ديوان رئاسة الجمهورية، يسخرون من التحذير و يعتبرون هذا السلاح الخطير مجرد لعب أطفال لا يستحق مجرد الالتفات إليه، و منهم مع الأسف الشديد من اعتبر تحذيرنا ليس أكثر من افتعال موضوع لإثبات الذات.

يبدو أن الزلزال الفوضوي الذي تعرّض له جهاز المخابرات الجزائري، و الذي تعود أول موجاته لثلاث سنوات مضت، حين بدأت موجه التشهير به على وسائل الإعلام، و يتداول الهجوم على رجاله كبار رموز السلطة السياسيين تمهيدا لعملية تجريف في المناصب و الصلاحيات، أوهمت مثل الوزير الأول و وزير السكن و غيرهما كثير من النخبة السياسية، بأن التقارير التي ترفع من هذا الجهاز باتت هي كذلك بائسة لا تستحق أي اهتمام؛ و نتيجة هذا السلوك غير المسؤول و الفاقد للوعي الوطني و الحس الأمني، تمكن العدو و الخصم من خلق مئات الصفحات على فضاء شبكة التواصل الاجتماعي تستهدف الجزائر، تنفخ في الفتن المذهبية و العرقية بل و المناطقية كذلك، و مؤخرا فقط وقفت على واحدة من أخطر الصفحات التي تروج لـ “القَبَلِية”، و لنا كل الحق بأن نستشعر الخطر الجدّي حين نقف على عشرات الآلاف من المعجبين بتلكم الصفحات، و أخطر من ذلك صفحات تتبنى خط و فكر و سلوك الجماعات الإرهابية، و تعلن جهارا عبر منشوراتها تأييدها للعمليات الإجرامية في دول المشرق؛ الأمر الذي يتعارض بشكل واضح مع خط الدولة الجزائرية و شعبها، و يستهين بكل جرأة بقانون الجرائم الالكترونية، الذي لم نر مع الأسف الشديد أي أثر له على أرض الواقع، و كذلك يثبت عجز أو غيبوبة الهيئة الأمنية التي أنشئت خصيصا على مستوى وزارة الداخلية، لمحاربة هذا النوع من الجرائم، باستثناء بعض الخروقات التافهة كالتي ينتحل فيها صاحب الصفحة صفة العسكري.

و ما يزيد من التخوف أكثر، هو ما رفعه لي يوم أمس بعض الشباب الوطني الغيور (المستقل عن السلطة و شركات التربّح الحزبية)، و هو عبارة عن صفحة لدكتور جزائري باسمه و صورته وفق تعريفه، يروج للقاء سيبثه عليها مع ممثل لوزارة خارجية كيان العدو الإسرائيلي، و تابعت الموضوع فعلا، لأصدم باللقاء و الحوار الذي من بين ما تضمّنه ردود العدو على تصريحات وزير السكن ذاته؛ و إذ لم تتحرك المصالح المعنية حيال هذه الجريمة و هذا الاختراق الخطير جدا و غير المسبوق في الجزائر، فلا يمكنني إلا القول بأننا كشعب في مواجهة مع هذه الطامة التي عصفت ببلدان و شعوب عربية، لا سلطة واعية تقدم المساعدة و تقوم بواجبها،  و لا أمن يحمينا، و هل يحق لنا أن نسأل أمام هذا التطور المروع: أننا شعب مكشوف أمنيا؟.

إن دولا عظمى و قوية و محصنة أكثر من الجزائر، و غير مستهدفة بالحجم الذي يستهدفنا، باتت تعبر جديا على خوفها من استغلال شبكات التواصل الاجتماعي لتحريف الرأي العام و تضليله، و لعل آخر مثل صارخ ما يجري الآن في ألمانيا، و الثورة التي أعلنها كريستوف كابيس رجل أعمال تكنولوجيا الاتصالات، في مواجهة موقع Breitbart News الأمريكي، الذي درج على تلفيق حقائق حول الأحداث، و قد عبر كريستوف عن تخوفه من فتح فرع لذلكم الموقع الأمريكي بألمانيا، في مقال له على مدونته يقول بالحرف:” في حال دخول الموقع الأمريكي للفضاء الألماني ومستخدميه. وبالنظر إلى الامتداد الأمريكي القوي، فقد يبلغ عدد مستخدميه في ألمانيا في غضون خمس سنوات ستة ملايين مستخدما”؛ محذرا من وقوع انجراف سياسي ( DW). فقد سبق للموقع الأمريكي نشر أخبار كاذبة عن عمد حول أحداث في ألمانيا، آخرها ادعاء حرق كنيسة من قبل أجانب، و غيرها من الأراجيف، جميعها تصب في مصلحة سياسة الولايات المتحدة. و لأن تأثير هذه المواقع وفق تقدير العقل الألماني خطير جدا على الوعي الجمعي، باعتماده الخطاب الشعبوي سهل التلقي، و سريع الانتشار بين العوام، قرر كريستوف كابيس بمعية نخبة من الخبراء أمثاله إنشاء مشروع تحت اسم Schmalbart  لمواجهة هذا التحدي و تحصين الجبهة الداخلية من الهجوم الامريكي. و لعل يوليانه كراوزه آكلباين  المشاركة في هذا المشروع التوعوي المهم بل و الضروري، قد اختصرت المشهد بوصفها لواقع ما يجري في هذه الشبكة العنكبوتية بالقول:” أنه لم يعد هناك فارق، بل يوجد سوى أناس يصرخون في وجه بعضهم البعض”. هذه المجموعة من الخبراء الألمان ستلتقي بعد ثلاثة أيام في برلين أي 14 من هذا الشهر، لوضع الإستراتيجية و آليات مواجهة هذا السلاح المدمر.

و السؤال في ختام المقال: متى تستفيق السلطة الجزائرية، و الجهات المختصة و ما يسمى نُخبا في الجزائر لوضع آليات فعلية و وضع إستراتيجية جدية للذود عن حياض هذا الوطن و الحفاظ على الوعي الجمعي الذي تخطفت كثيرا من شبابه، صفحات العدو و الخصم و الحمقى و الجهلة؟ أم يسجل نتيجة هذا التعامي و المكابرة، على الجزائر في عهدهم البائس، أنها لم تركع و لم تهزم على امتداد خمسة قرون، و ستهزم – لا قدر الله – في زمن حكمهم تحت ضربات مواقع النت؟ ما أتعس حظ الجزائر حينئذ بهم، و ما ألأمهم من أبناء ساعتئذ.

اسماعيل القاسمي الحسني