يترقب المغرب والجزائر والبوليساريو، ككل سنة من شهر أبريل، التقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة حول الصحراء. وعلى غرار كل سنة، يخضع التقرير الأممي لكثير من التأويل ولقليل من التحليل. وهذا ما ينطبق على التقرير الأممي الأخير 19 أبريل 2017.

ولتقريب القارئ من شكل ومضمون تقرير 2017 حول الصحراء، نقدم هذه المقاربة المتواضعة للتقرير الأممي المكون من مقدمة ومن خمسة محاور ستقف عندها بتفصيل.

 

سياق إصدار التقرير لسنة 2017

عكس التقارير السابقة، تميز سياق إصدار تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول الصحراء لـ19 أبريل 2017 بمميزات أهمها: تزامنه مع إبعاد روس، المبعوث الخاص السابق، المنحاز إلى أطروحة الجزائر؛ وتعيين أمين عام جديد للأمم المتحدة أكثر دراية بملف الصحراء هو البرتغالي أنطونيو غوتيريس؛ وعودة المغرب للاتحاد الإفريقي؛ وتزامنه مع الأزمة الحالية بالكركرات؛ فراغ مؤسساتي رهيب داخل النظام الجزائري؛ وزيادة المخاطر المحدقة بالمنطقة؛ وهجوم الدبلوماسية المغربية ومحاصرة الجزائر والبوليساريو بفضل السياسة الملكية الإستراتيجية والاقتصادية خصوصا بالقارة الإفريقية؛ وظهور بوادر أزمة بين النظام الجزائري وبين جبهة البوليساريو في ظل المتغيرات الجيو سياسة الإقليمية والدولية.

شكل ومضمون التقرير

القارئ المتأمل لتقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول الصحراء لسنة 2017 سيدرك مدى التغييرات التي مست شكله العام ومضامينه الكبرى، مقارنة مع باقي مضامين التقارير الأممية السابقة.

شكلا، تمت صياغته بلغة محايدة – نسبيا- عن لغة التقارير السابقة؛ ولو فيها الكثير من الغموض والبولميك والمصطلحات القانونية والسياسية والدبلوماسية الخادعة، وجب على المسؤولين المغاربة الاحتياط منها.

وبكل أمانة علمية، يتبين من شكل ومضمون التقرير أنه يعد – ولأول مرة- من أكثر التقارير الأممية إنصافا للمغرب ولمبادراته مقابل انتقادات جريئة للجزائر وجبهة البوليساريو وتحميلهما مسؤولية عرقلة إيجاد حل سياسي للنزاع ومسؤولية تأزيم الأوضاع بالمنطقة.

الأفق الزمني للتقرير

يغطي التقرير التطورات التي عرفتها المنطقة، منذ التقرير الأخير لـ19 أبريل 2016، ووصف الحالة على أرض الواقع ووضع المفاوضات السياسية بشأنها وتقدمها.

ولتقريب القارئ من مضامين هذا التقرير، نقدم القراءة التالية: يتكون التقرير من مقدمة مفصلة حول ما حدث مؤخرا من تطورات بالمنطقة، خصوصا أحداث الكركرات. ومن 4 محاور هي: 1/ أنشطة بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء، وتتوزع بين: الأنشطة التنفيذية والأنشطة المدنية الموضوعية؛ 2/ التحديات التي تواجه عمليات البعثة؛ 3/ الأنشطة الإنسانية وحقوق الإنسان؛ 4/ ملاحظات وتوصيات.

استهل التقرير بمقدمة عامة همت التطورات التي عرفتها منطقة الكركرات الصيف الماضي، عندما بدأ المغرب في تطهير المنطقة من أنشطة التهريب بعد إشعار هيئة الأمم المتحدة بذلك.

والمهم في هذا التقرير بخصوص هاته النقطة هو الاعتراف الأممي بأن المنطقة أصبحت مرتعا للتهريب والإرهاب وبأن التدخل المغربي في المنطقة كان مشروعا لتأمينها وتأمين حدوده بعد أن أصبحت بعض الجماعات الإرهابية بتنسيق مع مافيات التهريب بالجزائر والبوليساريو تتخذ من منطقة الكركرات مجالا خصبا لتهريب الأسلحة والسلع. وقد أشار التقرير إلى أن التدخل المغربي بالمنطقة أزعج الجزائر والبوليساريو؛ وهو ما دفع هذه الخيرة وبحماية جزائرية نشر عناصر مسلحة بمقربة من وحدات الجيش المغربي بالمنطقة العازلة.

دخول عناصر البوليساريو إلى المنطقة العازلة خرق للقانون الدولي ولاتفاق وقف إطلاق النار

بلغة دبلوماسية ومرنة، أشار التقرير إلى أن دخول عناصر البوليساريو إلى منطقة الكركرات فيه خرق لكل الاتفاقيات الدولية.

وفي هذا الصدد، أشاد التقرير بحكمة ملك البلاد وتبصره لتأمين منطقة الكركرات من اندلاع حرب بين المغرب وبين البوليساريو؛ وذلك بتلبية نداء الأمين العام للأمم المتحدة الانسحاب الأحادي من المنطقة ليس خوفا من الجزائر أو جبهة البوليساريو، ولكن احتراما لنداء الأمين العام للأمم المتحدة والتزاما بالشرعية الدولية، الأمر الذي لقي إشادة دولية بالقرار المغربي بالانسحاب الأحادي من المنطقة مقابل اتهام البوليساريو بالتعنت وبالتحدي، خصوصا بعد رفع علم البوليساريو جنوب الكركرات بحضور الأمين العام للجبهة.

التقرير والتصرف المستفز للبوليساريو

أكد التقرير أن المغرب قدم عدة شكاوى إلى بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء بالصحراء واصفا ما يجري على منطقة الكركرات بالاستفزازات غير المقبولة.

والغريب في الأمر هو عجز الأمين العام والامم المتحدة عن اتخاذ أي قرار زجري ضد البوليساريو التي انتهكت اتفاق وقف إطلاق النار بالدخول إلى منطقة عازلة مكتفيا بالتعبير عن خيبة أمل الأمم المتحدة وأمينها العام اتجاه تصرف البوليساريو.

تقرير الأمين العام للأمم المتحدة صدمة للبوليساريو

بعد القرار الأحادي للمغرب الانسحاب من منطقة الكركرات، وضعت البوليساريو شروطا لانسحابها من المنطقة؛ وهي: 1- الانسحاب المغربي الكامل من المنطقة؛ 2- العودة للمفاوضات المباشرة؛ 3- عودة بعثة المينورسو وتوسيع صلاحياتها..

الشروط لقيت الرفض المطلق من الأمم المتحدة، كما نص على ذلك التقرير؛ وهو ما سبب مثل نكسة للنظام الجزائري وصدمة للبوليساريو.

وإلحاح التقرير الأممي للبوليساريو على الانسحاب الفوري واللامشروط من منطقة الكركرات فيه تنبيه من الأمين العام للأمم المتحدة إلى الجبهة بأنها لن تقبل استهتار الانفصاليين بالاتفاقيات الدولية.

إشادة التقرير بأجواء الانتخابات التشريعية لـ 7 أكتوبر 2016 بالصحراء

فقرة صغيرة جاءت في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة؛ لكن لها دلالات سياسية عميقة هي إشادة التقرير الأممي بالأجواء العامة التي جرت فيها انتخابات 7 أكتوبر 2016 تحت السيادة المغربية على صحرائه، وهو اعتراف تأكيدي أممي بسيادة المغرب على صحرائه زكاه ما جاء به الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الـ41 للمسيرة الخضراء، من حيث تشبث الصحراويين بمغربيتهم؛ وهو ما زاد من هول صدمة قادة الجزائر والبوليساريو.

التقرير ومبادرة الحكم الذاتي

عكس التقارير السابقة، أشاد تقرير 2017 بقبول المغرب العودة إلى التفاوض على أساس مبادرة الحكم الذاتي وتجاهل التقرير الأممي – ولأول مرة- ذكر مبادرة البوليساريو مع اعتبار الجزائر طرفا مباشرا في النزاع. وهاتان الفقرتان من بين أهم الفقرات الواردة في تقرير 2017، وهما سبب الانتقادات القاسية الجزائرية على هذا التقرير.

وقد ختم التقرير مقدمته الطويلة حول الوضع بمنطقة الكركرات بخيبة أمل الأمين العام للأمم المتحدة من جبهة البوليساريو التي لم تنسحب من الشريط العازل، ولم تستجب لندائه الصادر 15 فبراير.

أنشطة بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء

ميز التقرير بين الأنشطة التنفيذية وهي تلك الأنشطة التي تقوم بها بعثة الأمم خصوصا على المستوى العسكري بالصحراء وبتندوف. وقد ركز التقرير على أنشطة الجيش المغربي بكيفية مفصلة مقارنة مع تركيزه على خروقات عناصر الجبهة متهما الجيوش المغربية بانتهاك اتفاق وقف النار؛ لكن الجديد في التقرير على هذا المستوى هو قبول البعثة الأممية التبرير الموضوعي الذي قدمه المغرب، وهو أن بعض الخروقات التي يقوم بها الجيش المغربي تدخل في إستراتيجية مكافحة الإرهاب والتهريب وأنشطة أخرى. وهذه هي المرة الثانية التي يشير فيها التقرير إلى مخاطر الإرهاب التي تهدد المنطقة، مشيدا بدور الجيش المغربي بتطهير المنطقة من كل آفات التهريب والإرهاب.

ومقابل التعاون المشترك بين الجيش المغربي وبعثة الأمم المتحدة بالصحراء أقر التقرير بمنع قادة البوليساريو تحركات عناصر البعثة الأممية تحت ذرائع واهية، في حين أن هذا المنع له علاقة بخوف قادة الجزائر والبوليساريو من كشف حقيقتهما في تورطهما في الإرهاب والتهريب بالمنطقة.

التقرير ومسؤولية الجزائر ومن البعثة الأممية بتندوف

من القضايا المهمة والجديدة في تقرير 2017 الإشارة بالحرف إلى الجزائر كطرف مسؤول عن أمن البعثة الأممية بالمنطقة. وهذا تحول كبير في المقاربة الأممية لدور الجزائر في نزاع الصحراء. ولعل هذه الفكرة هي من أغضب أكثر القادة الجزائريين، وجعلهم يصبون غضبهم على هذا التقرير واصفين بالمنحاز إلى المغرب.

التحديات التي تواجه عمليات البعثة

اعترف التقرير بتناقض مواقف المغرب وجبهة البوليساريو من أدوار وجود البعثة الأممية بالمنطقة؛ وهي من التناقضات الثابتة في كل التقارير الأممية السابقة.

بالنسبة إلى المغرب، ينحصر دور البعثة في رصد وقف إطلاق النار ودعم إزالة الألغام والمساعدة في بتدابير بناء الثقة. أما بالنسبة إلى البوليساريو، فدور البعثة الأساس هو تنظيم الاستفتاء بشأن تقرير المصير وقف إطلاق النار وغيره من الأنشطة التابعة لها؛ من بينها الاتصال المباشر مع المجتمع المدني والهيئات المدنية.

وقد أشاد التقرير بدور المكاتب الإقليمية المغربية لحقوق الإنسان بالعيون والداخلة وبدور المنتخبين المحليين ودور شيوخ القبائل في تعاونهم المستمر والمسؤول مع أعضاء البعثة الأممية الذين يتحركون بكل حرية بالصحراء، عكس الحصار المضروب على أعضائها بمخيمات تندوف التي تعيش حالة طوارئ.

والغريب ما جاء به التقرير طلب الأمين العام لجبهة البوليساريو البعثة الأممية برفض استمرار المغرب وضع الطوابع على جوازات سفر موظفي مينورسو الصحراء؛ وهو ما يرفضه المغرب لكونه له حق السيادة، وهو ما أقر به التقرير.

الأنشطة الإنسانية وحقوق الأنسان

وقف تقرير 2017 عند الوضع الإنساني للسكان بتندوف ولحقوق الإنسان بالصحراء. ومن أهم ما جاء به التقرير نذكر ما يلي:

الوضع الإنساني بمخيمات تندوف في خطر: أكد التقرير الأممي أن الوضع الإنساني والحقوقي في بتندوف في خطر، حيث يوجد أكثر من 90000 لاجئ للخطر جراء سوء التغذية إلخ في ظل تراجع المساعدات الدولية واستغلالها من لدن قادة البوليساريو والجزائر؛ وهو وضع أصبح مقلق للمنظمات الدولية، خصوصا مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التي دقت في تقرير 2015 ناقوس الخطر عند شباب مخيمات تندوف الذين أصبحوا ينخرطون في الجماعات الإرهابية نتيجة البؤس العام المهيمن عليهم بمخيمات تندوف. والأكيد هو أن الجزائر تتحمل المسؤولية الكاملة عن الوضع بمخيمات تندوف لوجودها على أراضيها؛ ما قد يفتح تحقيقا أمميا مع البوهالي في كيفية استغلاله للمساعدات الدولية.

التقرير والوضع الحقوقي: كباقي التقارير، لم يكن تقرير 2017 منصفا وعادلا اتجاه المغرب في المجال الحقوقي، حيث إنه أعاد ما جاء في تقرير سنة 2015 مع اعتراف التقرير بمجهودات المغرب في المجال الحقوقي؛ مقابل صمته غير البريء عن الحديث عن الجانب الحقوقي بتندوف، حيث يمنع حتى تأسيس الجمعيات والأحزاب، وعدم تعرضه إلى أشكال العبودية التي تمارسها ميلشيات الجزائر والبوليساريو داخل المخيمات والاستفزازات الممنهجة ضد قوات الأمن والشرطة والدرك الملكي، وبالخصوص أثناء زيارة الوفود الأجنبية للصحراء.

رسائل التقرير للمغرب في المجال الحقوقي: أتمنى أن يفهم المسؤولون المغاربة رسائل التقرير في المجال الحقوقي الذي ما زال من النقط السوداء في كل تقارير الأمم المتحدة، بالرغم من كل مجهودات الدولة؛ وهو الأمر الذي يتطلب ثورة في الحكامة الحقوقية ووضع إستراتيجية تواصلية بكل اللغات تدافع عن التراكمات التي حققها المغرب في المجال الحقوقي، بعيدا عن الإعلام الرسمي البئيس الذي ما زال يعيش خارج ثقافة مجتمعات الإعلام والمعرفة وثقافة حقوق الإنسان كما نص عليها دستور 2011.

ملاحظات وتوصيات

أكد التقرير الأممي على:

1 – دعوة المغرب وجبهة البوليساريو إلى التسليم بضرورة إحراز تقدم عاجل، والعمل بجدية بشأن المسألتين الأساسيتين الواردتين في توجيهات مجلس الأمن، أي التواصل إلى حل سياسي دون تضمين التقرير عبارة “بما يضمن تقرير مصير الصحراويين”؛ وهو ما يوحي بأن الأمم المتحدة لم تعد متشبثة بالمفهوم التقليدي الضيق لتقرير المصير، على أساس أنه يفتح الباب لاستقلال الصحراء عن المغرب.

2- ضرورة إنهاء الصراع في أقرب وقت لمواجهة الإرهاب والتهريب، وهذا معطى أساس يؤكد صحة تقارير المملكة في هذا الصدد بالإضافة للتحديات الاقتصادية.

3- ضرورة تيسير المفاوضات المباشرة بين الطرفين لإيجاد حل سياسي مقبول بين الطرفين.

4- ضرورة توفر الإرادة السياسية ومناقشة الاقتراح المغربي، وهو مشروع الحكم الذاتي كإطار للتفاوض.

5- تحمل الجزائر مسؤوليتها كطرف أساس في النزاع.

6- قبول اقتراح الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية واعتبار الجزائر طرفا رئيسا، وهذا معطى جديد وأساس.

7- الحفاظ على أدوار البعثة الأممية بالمنطقة دون توسيع صلاحياتها لتشمل حقوق الإنسان، وهذه صفعة قوية للجزائر والبوليساريو.

8-تأكيد القلق الأممي من الأوضاع الإنسانية والاجتماعية الخطيرة بمخيمات تندوف.

9- تحقيق رصد ﻣﺴﺘﻤﺮ ﻭمستقل ومحايد لحقوق ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ، ﻳﻐطي ﻛـﻼ من الإقليم ﻭالمخيمات.

10- تجاوز التقرير لكل الاتهامات التي وجهها روس إلى المغرب في تقريري 2015 و2016؛ وهو ما يعني طي أسطوانات روس والجزائر والبوليساريو.

من بعد مقاربة التقرير الأممي لسنة 2017 حول الصحراء، نقول إنه أكثر التقارير الأممية نزاهة وإنصافا. وقد تجلى ذلك في شكل ومضمون التقرير، وهو ما يعكس المنحى الإيجابي حول الصحراء في ظل الأمين العام الجديد للأمم المتحدة، وعلى المكلفين بالملف تطوير ما هو إيجابي في التقرير، والعمل الإستراتيجي لتجاوز لما هو سلبي فيه، وخصوصا مجال حقوق الإنسان بالصحراء، مع وضع إستراتيجية تواصلية لتسويق الاستثناء المغربي حتى بالمجال الحقوقي، والاستمرار في سياسة المشاريع والبرامج التنموية بالصحراء وربطها بالإصلاحات السياسية؛ وعلى أسس الديمقراطية التشاركية والتعامل مع سكان الصحراء على اساس المواطنة الحقة باعتبارها حقوقا وواجبات.