كل من شاهد الندوات الصحفية وتدخلات رؤساء الأحزاب الفائزة في الانتخابات، يدرك بسهولة وببساطة شديدة سبب المقاطعة والعزوف ، كيف  يمكن ان يتصور أي من المسؤولين في الدولة  أن  يقتنع شاب جامعي أو شاب بطال يملك حسابا على فيسبوك ، بجدوى انتخابات ينشطها اشخاص  قادمون من الخمسينات من القرن الماضي، اشخاص ينتمون لعصر ما قبل الديمقراطية.

 

الممارسة السياسية في كل بلدان العالم الديمقراطي أو السائرة في طريق الديمقراطية بصدق تستهدف بناء الدولة وتدعيم المؤسسات الديمقراطية، أما في الجزائر فإن الممارسة السياسية تهدف للإبقاء على علاقة السيطرة التي يفرضها حاليا التحالف بين حزب الادارة ، و لوبي المال مجهول المصدر أو جماعات الأغنياء الجدد وتأبيدها. 

 

 قالها بصراحة جمال ولد عباس الأمين العام لحزب جبهة التحرير ” أنا اعترف بممارسة الشيتة  للرئيس بوتفليقة لأنه  يستحق الشيتة “، الشيتة  بالتعبير الجزائري هي الإطراء والمديح الذي يصل درجة النفاق، الأمين العام لحزب  الأغلبية، اضاف إن الرئيس بوتفليقة هو هرم وقيمة جزائرية ، لا علينا لكن تعبير الامين العام لحزب جبهة التحرير، هو نموذج  ومثال حي  للرجل السياسي في الجزائر في بدايات القرن الواحد والعشرين، ففي ندوة  تلفزيونية على قناة النهار  المقربة جدا من الجماعات الحاكمة  قال  رئيس حركة مجتمع السلم السابق ابو جرة سلطاني  كلاما مهذبا  لكنه يحمل المضمون نفسه ، نموذجان لرجلين سياسيين، يجعلان أي شاب محب لممارسة السياسة في الجزائر، يكره السياسة والسياسيين بل ويكفر بالسياسة، و بهذين النموذجين  بالإضافة إلى نموذج أحمد أويحي الذي  يجهر بممارسة الشيتة بمناسبة وبدونها ، يدعي الممسكون بالحكم والسلطة في الجزائر أنهم بصدد بناء نظام حكم ديمقراطي !!، الأحزاب السياسية في الجزائر تحولت إلى مجرد واجهة سياسية  تقوم من خلالها أقلية مجهولة بتسيير البلاد عبر واجهة ديمقراطية  شكلية، الوضع هذا  كان موجودا بمستويات متفاوتة منذ سنوات طويلة لكن الأمور تدهور واتجهت نحو الهاوية  في السنوات القليلة الماضية وفي أغلب دول العالم فإن الأحزاب      

 

هي في الواقع أجهزة  بالنسبة إلى للطبقات المسيطرة فقط، إن العلاقة الوثيقة التي تربط تطور علاقة هيمنة  الجماعات الحاكمة عبر العالم  بعلاقة السيطرة على المجتمعات هي التي تحدد بالضرورة حزب (أو أحزاب) الطبقة المسيطرة كجهاز تابع لجهاز الدولة. قوة الحزب هنا، كأداة للممارسة السياسية، تكمن بالذات في كونه جهازا، أي في تبعيته لجهاز الدولة، لا في استقلاله عنه، لأن دوره في خدمة الممارسة السياسية لفئة من فئات الطبقة المسيطرة، أي في خدمة وصول هذه الفئة إلى الهيمنة الطبقية، ينطلق من وجود السيطرة  على المجتمع  ومن ضرورة الحفاظ عليها، لا من ضرورة التحرر منها، في الجزائر  تختلف الأمور حاليا حيث تحولت أغلب الأحزاب إلى واجهة سياسية   فقط يتم من خلالها  تقديم الوضع أمام العالم  

     

وفي الحقيقة  فإن  طريقة التسيير الحالي  تجعل  من المستحيل الإفلات من قبضة  هذا الحزب القوي  القادر على  فعل  أي  شيء وتكييف القوانين ومؤسسات الدولة حسب ما تقتضيه مصالحه فقوة السيطرة إذن، في الطبقة المسيطرة ليست في أحزابها بل في استخدامها جهاز الدولة كأداة أساسية في ممارستها السياسية للسيطرة  ، لأن أحزابها تستمد أصلا قوتها من تبعيتها لجهاز الدولة، أي من كونها أدوات لهذه الأداة. فالحد الفاصل، أي الاختلاف بين أداة الممارسة السياسية ، وأداة الممارسة السياسية ، هو تكون الحزب كجهاز بالنسبة للطبقة الأولى وفي هذه الحالة لا بد أن يكون هذا الجهاز تابعا لجهاز الدولة وضرورة كونه نقيضا لكل جهاز بالنسبة للطبقة الثانية. والاختلاف الطبقي في طبيعة الأداة ناتج من الاختلاف في طبيعة الممارسة السياسية نفسها.