يُمكن وصف سنة 2016 بالنسبة إلى البوليساريو بـ”سنة النكسة”، نظرا لعدد الضربات التي أظهرت حقيقة المغالطات الفلسفية والتاريخية التي بنيت عليها أطروحة الانفصال؛ فقد تكبدت أطروحة الانفصاليين، سواء على المستوى الدبلوماسي أو القضائي أو الحقوقي أو حتى الإعلامي، عدة تراجعات وتعرضت لهزات عنيفة حرّكت الرمال تحت أقدام القيادات الوهمية وعرابيها من رجالات الجيش الجزائري.

وقد نبّهنا، في موضوع سابق، إلى الطريقة القيصرية التي سلكها جنرالات قصر المرادية بالجزائر من أجل تثبيت إبراهيم غالي كرئيس للدولة الوهمية بعد وفاة عبد العزيز المراكشي في ماي 2016، حيث اعتمدت آلية التزكية المفروضة والتوافـق بالإجبار على شخص إبـراهيم غالي كمرشح وحيد، بعيدا عن أية عملية انتخابية. وبذلك، يكون قد دشـن عهده بخرق للآليات الديمقراطية للوصول إلى السلطة؛ وهو ما يدحض مبدأ الديمقراطية الذي لطالما بنت عليه البوليساريو خطابها أمام أعضاء المنتظم الدولي، ولم تبق من ذكريات فرض رئيس وهمي إلا انتكاسة سياسية فاضحة في يوليوز 2016.

وعلى المستوى الدبلوماسي، ستتواصل الانتكاسات بتجميد الاعتراف بدولة البوليساريو الوهمية وسحبه من لدن العديد من الدول، خصوصا في أمريكا اللاتينية وإفريقيا التي لم تكن على اطلاع كاف بحيثيات الملف ومصداقية الطرح المغربي وجدية مقترحات المملكة من أجل حل الملف.

كما ستحصد البوليساريو في سنة 2016 انتكاسة إعلامية ورياضية عندما أعلنت اللجنة الأولمبية الدولية في مارس عن تشكيل “فريق اللاجئين” من 10 دول بدورة ريو دي جانيرو الأولمبية، ووضعت سدا أمام البوليساريو التي أرادت الركوب على هذه النقطة لتقديم الأشخاص المحتجزين في تندوف على أنهم لاجئون؛ وهو الأمر غير الوارد لعدم اعتراف المنتظم الدولي لسكان مخيمات تندوف بصفة “لاجئ” من جهة، ولفتح المغرب لذراعيه منذ سنين عديدة لمحتجزي تندوف ودعوته إلى فك الحصار المفروض عليهم من أجل العودة إلى وطنهم وصلة الرحم مع ذويهم في الأقاليم الجنوبية للمملكة من جهة ثانية.

في السياق نفسه، تنضاف نكسة أخرى إلى سجل البوليساريو الحافل لسنة 2016، وهذه المرة بمناسبة المنتدى الاجتماعي العالمي المنعقد بموريال الكندية؛ فقد عـرفت ورشات المنتدى وكذا فعاليات مسيرة لافونتين مرافعات قوية لأفراد الجالية المغربية، سواء المقيمة بكندا أو ببلجيكا وهولندا وفرنسا وغيرها، وهو ما باغث ممثلي الجبهة وأحرج وفدهم المشارك وكذا مُتعهدي حفلات تنشيط الأطـروحة الانفصالية التابعين لقصر المرادية.

وسيعـرف شهر نونبر خريفا من نوع آخر سيؤشـر على بداية العد العكـسي لبروباغندا الانتصارات وهمية التي احترفتها الجبهة؛ فبينما كانت الاستعدادات جارية لعقد مؤتمر أوربي للتضامن مع “الـشعب الـصحراوي” ببرشلونة أيام 17 و19 نونبر 2016 كأول نشاط دولي يحضره إبراهيم غالي باعتباره رئيسا للبوليساريو كان الـسيد خوسيه دي لاميتا، قاضي المحكمة الوطنية بمدريد، يُؤشر للشرطة على قرار غير مسبوق غايته التأكـد من كون إبراهيم غالي هو الـشخص نفسه المطلـوب في قضايا خطيرة تضمنها صك الاتهام بجرائم القتل وجرائم ضد الإنسانية وراح ضحاياها مواطنون صحراويـون يحمل أغـلبهم الجنسية الإسبانية.

 

وقد حمل هذا القرار نكسة قضائية وقانونية هزت شرعية الجبهة، وعرّت على التاريخ الأسود لقياداتها، كما بعثرت مُخططات البـوليساريو، وضربت ثقة العديد مـن المتعاطفيـن ـ بدافع إنساني- مع خطاب الجبهة، وستُغير كثيرا من خارطة التأثير وسـط الرأي العام الإسباني. وجعل هذا القرار القضائي إبراهيم غالي يتراجع عن المشاركة في برشلونة، مخافة من مجريات التحقيق القضائي في بلد ديمقراطي قد تجعله خلف القضبان.

وفي هذا الإطار، لا بد من الإشارة إلى أنه في سنة 2008 تقدمت “الجمعية الصحراوية للدفـاع عن حقوق الإنسان” بدعوى ضد غـالي، الذي كان آنذاك مُمثلا للبوليساريو بمدريد، وضد أكثر من 20 شخصية قيادية في البوليساريو بتُهم ثقيلة كالاغتيال وتعذيب وقتل صحراويين معارضين بمخيمات تندوف! وهو ما دفع جنرالات قصر المرادية إلى تنقيل أو “تهريب” إبراهيم غالي بسرعة، وجعله سفيـرا للبوليساريو بالجزائر العاصمة خوفا من استدعائه للتحقيق بمدريد، ومنحوه قبعة الدبلوماسي لتوفير حصانة له ضد كل متابعة قضائية عن كل جرائم الحرب التي تورط فيها طيلة وجوده لمدة 13 سنة على رأس وزارة الدفاع للبوليساريـو.

وضمت اللائحة الطويلة لضحايا إبراهيم غالي مجموعة من الأشخاص نذكر منهم على سبيل المثال: لكبيش محمد نافع، والخرشي لحبيب، والشويعر محمد، وخديجتو محمد الزوبير، وسعداني ماء العينين، وخديجتو أحمد محمد… وهو ما جعل المحامي الإسباني لاكـروت فيرنانديـز، بعد الاطلاع على الضحايا والاتهامات الموجهة إلى إبراهيم غالي وسماعه لشهادة أكثر من ضحية، يُلقب زعيم البوليساريو بـ”الوحش الآدمي”.

لقد تضمّن قرار القاضي خوسيه دي لاميتا إشارة إلى هدم حائط الخوف والتضليل، حيث جاء في عدة تقارير لمنظمات حقوقية دولية، كمنظمة العفو الدولية مثـلا فقرات استنكار للوضع الإنساني والحقوقي داخل مخيمات تندوف، مع التأكيد على “عدم وجـود توضيحات بخصوص اتهامات الاغتصاب والعنف داخل مخيمات تندوف في السبعينيات والثمانينيات، وغياب مساعدة من مسؤولي البوليساريو والجزائر في الكشف عن الحقيقـة….”؛ لذلك فمن المنتظر أن يتبع هذا القـرار الـقضائي الإسباني لا محالة إصدار مذكرة اعتقال دولية في حق إبراهيم غالي، خاصة أن العديد مـن الهـيئات الحقوقية تقول بوجود حوالي 500 سجين مغربي بسجون البوليساريو.!

من جهة أخرى، فهي ليست المرة الأولى التي يتم فيها ذكر إبراهيم غالي عندما يتعلق الأمر بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية؛ فاسم غالي معروف أيضا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف، سواء من خلال قضايا الاغتصاب والعنف والقتل المُثارة من لدن الضحايا أنفسهم أو من لدن حقـوقيين أوروبيين يشتغلون لسنوات من أجل تحسين ظروف عيش سكان مخيمات تندوف. ونذكر منهم فقط الإيطاليتان جُورْجيا بُوتيرا وسارا باريزي عـن جمعيات تعنى بالدفاع عـن حقوق الإنسان بإيطاليا.

وهي مناسبة للانضمام إلى صف المطالبين بفتح تحقيق دولي حول ملف المختطفين ومجهولي المصير الصحراويين المغاربة؛ فإبراهيم غالي معـروف كـرجل حـرب ويـداه مُلطختان بدماء الأبرياء. وبالرغم من ذلك، جرى إجبار الكل على تزكيته في مؤتمر استثنائي شكلي والتوافق على شخص بجينات إجرامية من طينة إبراهيم غالي. ومع ذلك، فلا نعتقد أن قمع وإقصاء تيار التفاوض المباشر داخل القيادات الشابة للجبهة سيطُول إلى ما لا نهاية؛ كما لا نعتقد أن المنظمات الحقوقية الدولية سيطُول صمتها إلى ما لا نهاية!

إن التاريخ الدموي لجنرالات قصر المرادية مليء بنكسات إنسانية وحقوقية تنعدم فيها “مقاربة الإنسان” الذي أضحى تارة أداة لرد فعل انتقامي مثل طرد المغاربة من الجزائر في سنة 1963 بعد حرب الرمال أو سنة 1975 بعد المسيرة الخضراء، وتارة أخرى كدروع بشرية لاستجداء معونات إنسانية أو تحقيق مكاسب سياسية كما هو الحال مع استغلال المعاناة الإنسانية لمحتجزي مخيمات تندوف.

وكاستمرار لمسلسل إهانة الإنسان، شهدنا، يوم الاثنين 12 دجنبر 2016، فصلا مأساويا جديدا بطرد الجزائر لمهاجرين أفارقة بطرق مهينة وتعذيب مُمنهج بدعوى نشرهم لفيروس السيدا؛ وهو دليل آخر على عقلية متحجرة تتبنى طرقا دكتاتورية وتتستر على مجرم حرب وتحتجز الآلاف في مخيمات لأكثر من 41 سنة!

 

عن موقع هسبريس