“ليس ممكنا أن نضع رئيسا آخر مكان بوتفليقة، ونبقى نسير الأوضاع كما كنا مع بوتفليقة”.. “نحن في دكتاتورية اللاسلطة وانعدام النجاعة. كيف يمكننا الحديث عن سلطة قوية بينما هي عاجزة عن حل مشاكل بلدية؟”. هذا جزء من معاينة قاسية يجريها رئيس الحكومة سابقا، مولود حمروش، في حوار شيق وطويل مع صحفيي “الخبر”. “ابن السيستام”، كما يحلو له أن يصف نفسه، يرفض التعاطي مع الأحداث السياسية الجارية في البلاد على أنها وقائع، بل هي في رأيه “تضليل”، إذ يقول: “يقال إن حربا تدور بين عصب النظام، بينما هي غير موجودة”. ليصل إلى هذه النتيجة: “النظام يملك قدرة فائقة على توظيف الانشقاقات والنقائص في جسم المجتمع، لإطالة الوهم ولإبقاء الوضع على حاله”.

حمروش يعتبر أن الجزائر تسيرها “ديكتاتورية عاجزة”
“ما يشاع من صراعات داخل النظام مجرد أوهام”
قرأ مولود حمروش، رئيس الحكومة سابقا، في التطورات الأخيرة التي شهدها حزبا السلطة، الأفالان والأرندي، محاولة للعودة إلى “ترتيبات ماض ولّى واندثر”. وقال إن ذلك “لن يضفي نجاعة على الحكومة ولن يغذي النظام بنصيب من الشرعية”. وحذر حمروش من أن بقاء الوضع على ما هو عليه سيؤدي إلى “حالة الانفجار والانهيار”.
رسم مولود حمروش، لدى نزوله ضيفا على ركن “فطور الصباح” لـ”الخبر”، صورة سوداء عن وضع النظام، فقال: “إننا أمام نظام انتهت صلاحيته ليس بسبب شيخوخته، إذ عمّر أكثر من نصف قرن، وإنما لأنه أفنى عمره وجهده في منع بروز أية بدائل سياسية واجتماعية، وكانت كلفة ذلك التلاعب بالهوية الجزائرية والدين والثقافة والاقتصاد”.

ولم يشأ رئيس حكومة الإصلاحات تخصيص رسالة ڤايد صالح ومؤتمر الأفالان وعودة أحمد أويحيى على رأس الأرندي بالتعليق لأنه، كما قال، يرفض الحديث عن الأشخاص، معتبرا أن ذلك ليس من شأنه “أن يضفي شيئا ولن يقدم رؤية سياسية جديدة ولا فعالية جدية في إدارة أمور الجزائر ولا في كيفية إخراجها من دائرة التأزيم وفك حالة الانسداد ولا في ترقية الأمن بكل أبعاده”.
وتابع حمروش أن “محاولة العودة لترتيبات ماض ولى واندثر لن تجدي اليوم نفعا، لأنها لم تنفع في أوج عطائها ولم تثمر حلولا ورؤى قابلة للتجسيد، كما أنها لن تضفي نجاعة على الحكومة ولن تغذي النظام بنصيب من الشرعية”. وبعبارة تلخص تطور النظام في الجزائر، قال حمروش إن “نظام الوضع القائم الذي مرّ من مرحلة فرض الشرعية إلى مرحلة إضفاء الشرعية بأساليب وطرق ملتوية، قد يصل اليوم إلى مرحلة نزع الشرعية”. ثم يضيف مدعما هذه الخلاصة: “إن هذا الفصل الأخير هو أقصر طريق للوصول لحالة الانفجار والانهيار”.
وعما يقصده بوصول النظام إلى “مرحلة نزع الشرعية”، قال ضيف “فطور الصباح” إن “الأطراف التي لا تريد للنظام أن تتغير وتكتفي بتغيير الأشخاص، قد تلجأ إلى عملية نزع الشرعية عن الأطراف التي تريد تغيير النظام والبحث عن حكم توافقي جديد”. هذه الأطراف التي تحدث عنها ضيف “الخبر”، ليست بالضرورة أحزاب المعارضة، ويشرح ذلك بأن “بعض هذه الأحزاب أصبح يغذي صراع العصب داخل المؤسسات ويتغذى منه عوض أن تتغذى من مشاكل الجزائريين وطموحاتهم”. ويعود هذا بالأساس، وفق حمروش، إلى “فساد الآلية الانتخابية وغياب آلية الانتقاء الديمقراطي داخل صفوفها، فتم توظيفها لتصبح عائقا لكل فكر سياسي وأداة تآكل الانسجام والتناغم وتشويه التمثيل السياسي والاجتماعي”.
ويعتبر حمروش أن النظام لم يبق له سوى مخرجين، الأول هو “التوافق بين عصبه، والثاني هو عملية إقصاء كل طرف للآخر”. لكن المخرج للجزائر فوق ذلك، لن يكون ناجعا، وفق حمروش “إلا بالتصدي لحالة الانهيار بمعية النظام، لا لإدارة الوضع القائم والاستمرار فيه، وإنما للخروج منه بأقل التكاليف. ويأتي ذلك ببناء توافق وطني بديل تكون بدايته بإعادة تأهيل سلطة الدولة، بإعادة الاعتبار لمؤسساتها وإدارتها الدائمة وبخاصة أداتها الفضلى.. القانون”.

ورغم معارضته للرئيس، يقر حمروش بأن بوتفليقة أرجع هيبة مؤسسة الرئاسة، لكنه مع الصلاحيات الواسعة التي يحوزها، “فشل” في كل السياسات التي انتهجها. وقال: “إننا في الجزائر عجزنا عن تسيير أمور البلاد، بشكل يوحي وكأننا في ديكتاتورية عاجزة. إذ لا يعقل أن شخصا له سلطة مطلقة يتجه بالجزائر في هذا الاتجاه”.
وفي مجمل معاينته، قال ضيف “الخبر” إن ما يشاع من صراع بين الرئيس وبين مؤسسة المخابرات، وما يثار حول استحواذ رجال الأعمال على مراكز القرار وعودة وجوه النظام القديمة، هي مجرد “أوهام” يزرعها النظام للتغطية على “الحقيقة الثابتة بأنه صار منتهي الصلاحية”.

المصدر: جريدة الخبر الجزائرية

http://www.elkhabar.com/press/article/82463/%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B8%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1%D9%8A-%D8%B6%D8%B9%D9%8A%D9%81-%D9%88%D8%A7%D9%86%D8%AA%D9%87%D8%AA-%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%8A%D8%AA%D9%87/#sthash.fe2SUJYN.dpbs